فصل: تفسير الآيات (1- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (25- 49):

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} يسأل بعضهم بعضاً قال ابن عباس: إذا بعثوا من قبورهم، وقال غيره: في الجنة وهو الأصوب لقوله سبحانه {قالوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ في أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} خائفين من عذاب الله {فَمَنَّ الله عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السموم} قال الحسن: السَّموم: اسم من أسماء جهنم.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك، قال: حدّثنا عبدالله، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أنس بن عياض، قال: حدّثني شيبة بن نصاح عن القاسم بن محمد قال: غدوت يوماً وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة رضي الله عنها أُسلّم عليها، فوجدتها ذات يوم تصلّي السبحة وهي تقرأ {فَمَنَّ الله عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السموم} وتردّدها وتبكي، فقمت حتى مللت ثم ذهبت إلى السوق بحاجتي ثم رجعت فإذا هي تقرأ وترددها وتبكي وتدعو.
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} في الدنيا {نَدْعُوهُ} نخلص له العبادة {إِنَّهُ} قرأ الحسن وأبو جعفر ونافع والكسائي بفتح الألف، أي لأنّه، وهو اختيار أبي حاتم، وقرأ الآخرون بالكسر على الابتداء، وهو اختيار أبي عبيدة {هُوَ البر} قال ابن عباس: اللطيف، وقال الضحاك: الصادق فيما وعد {الرحيم}.
{فَذَكِّرْ} يا محمد {فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} أي برحمته وعصمته {بِكَاهِنٍ} يبتدع القول ويخبر بما في غد من غير وحي، والكاهن: الذي يقول: إنّ معي قريناً من الجن.
{وَلاَ مَجْنُونٍ} نزلت هذه الآية في الخرّاصين الذين اقتسموا عقاب مكة، يصدون الناس عن الإيمان، ويرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكهانة والجنون والسحر والشعر. فذلك قوله سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ} يعني هؤلاء المقتسمين الخرّاصين {شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} حوادث الدهر فيكفينا أمره بموت أو حادثة متلفة فيموت ويتفرق أصحابه، وذلك أنهم قالوا: ننتظر به ملك الموت فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة وفلان وفلان، إنّما هو كأحدهم، وإنّ أباه توفي شاباً، ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه.
والمنون يكون بمعنى الدهر، ويكون بمعنى الموت، سمّيا بذلك لأنّهما ينقصان ويقطعان الأجل، قال الأخفش: لأنّهما يمنيان قوى الانسان ومنيه أي ينقصان، وأنشد ابن عباس:
تربّص بها ريب المنون لعلّها ** تطلّق يوما أو يموت حليلها

{قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين} حتى يأتي أمر الله فيكم.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ} عقولهم {بهاذآ} وأنّهم كانوا يُعدون في الجاهلية أهل الاحلام ويوصَفون بالعقل، وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله سبحانه بالعقول؟. فقال: تلك عقول كادها الله، أي لم يصحبها التوفيق. {أَمْ هُمْ} بل هم {قَوْمٌ طَاغُونَ}.
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} استكباراً.
{فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} أي مثل هذا القرآن يشبهه {إِن كَانُواْ صَادِقِينَ} أنّ محمداً تقوّله من تلقاء نفسه، فإنّ اللسان لسانهم، وهم مستوون في البشرية واللغة والقوة.
{أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} قال ابن عباس: من غير ربّ، وقيل: من غير أب ولا أم، فهم كالجماد لا يعقلون، ولا يقوم لله عليهم حجة، أليسوا خلقوا من نطفة ثم علقة ثم مضغة؟ قاله ابن عطاء، وقال ابن كيسان: أم خُلقوا عبثاً وتركوا سُدىً لا يؤمرون ولا يُنهون، وهذا كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شيء يعني لغير شيء. {أَمْ هُمُ الخالقون} لأنفسهم.
{أَمْ خَلَقُواْ السماوات والأرض بَل لاَّ يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ} قال ابن عباس: المطر والرزق، وقال عكرمة: يعني النبوّة، وقيل: علم ما يكون {أَمْ هُمُ المصيطرون} المسلطون الجبّارون. قاله أكثر المفسّرين، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس، وقال عطاء: أرباب قاهرون، وقال أبو عبيدة: يقال: خولاً تسيطرت عليّ: اتّخذتني، وروى العوفي عن ابن عباس: أم هم المنزلون.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} يدّعون أن لهم مصعداً ومرقاة يرتقون به إلى السماء {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} الوحي فيدّعون أنّهم سمعوا هناك أنّ الذي هم عليه حق، فهم مستمسكون به لذلك. {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم} إن ادّعوا ذلك {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجة بيّنة.
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} جعلاً على ما جئتهم به ودعوتهم إليه {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ} غرم {مُّثْقَلُونَ} مجهودون.
{أَمْ عِندَهُمُ الغيب} أي علم ما غاب عنهم حتى علموا أنّ ما يخبرهم الرسول من أمر القيامة والبعث والحساب والثواب والعقاب باطل غير كائن، وقال قتادة: لمّا قالوا {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} أنزل الله سبحانه {أَمْ عِندَهُمُ الغيب} فهم يعلمون حتى بموت محمد، وإلى ماذا يؤول أمره؟ وقال ابن عباس: يعني أم عندهم اللوح المحفوظ {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ما فيه، ويخبرون الناس به، وقال القتيبي {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أي يحكمون.
والكتاب: الحكم، «ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين تخاصما» لأقضين بينكم بكتاب الله أي بحكم الله.
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً} مكراً في دار الندوة {فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون} الممكور بهم يعود الضرر عليهم، ويحيق المكر بهم، وكل ذلك أنّهم قتلوا ببدر.
{أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ الله سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} قال الخليل بن أحمد: ما في سورة الطور من ذكر {أَمْ} كلّه استفهام وليس بعطف.
{وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ السمآء سَاقِطاً} كسفاً قطعة وقيل: قطعاً واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر {مِّنَ السمآء سَاقِطاً} ذكره على لفظ الكسف {يَقُولُواْ} بمعاندتهم وفرط غباوتهم ودرك شقاوتهم هذا {سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} موضوع بعضه على بعض. هذا جواب لقولهم: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السمآء} [الشعراء: 187] وقولهم: {أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً} [الإسراء: 92] فقال: لو فعلنا هذا لقالوا: سحاب مركوم.
{فَذَرْهُمْ حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ} أي يموتون، وقرأ الاعمش وعاصم وابن عامر {يُصْعَقُونَ} بضم الياء وفتح العين، أي يهلكون، وقال الفرّاء: هما لغتان مثل سَعْد وسُعْد.
{يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} كفروا {عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} قال البراء بن عازب: هو عذاب القبر، وقال ابن عباس: هو القتل ببدر، وقال مجاهد: الجوع والقحط سبع سنين، وقال ابن زيد: المصايب التي تصيبهم من الاوجاع وذهاب الأموال والأولاد. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} إن العذاب نازل بهم.
{واصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} بمرأى ومنظر منا {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} قال أبو الأحوص عوف بن مالك وعطاء وسعيد بن جبير: قل سبحانك اللّهم وبحمدك حين تقوم من مجلسك، فإن كان المجلس خيراً ازددت احتساباً، وإن كان غير ذلك كان كفارة له.
ودليل هذا التأويل ما أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن صقلاب، قال: حدّثنا ابن الحسن أحمد بن عيسى بن حمدون الناقد بطرطوس. قال: حدّثنا أبو أُمية، قال: حدّثنا حجاج، قال: حدّثنا ابن جريج، قال: أخبرني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جلس في مجلس كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك غُفر له ما كان في مجلسه ذلك».
وقال ابن زيد: {سبّح} بأمر ربّك حين تقوم من منامك، وقال الضحاك والربيع: إذا قمت إلى الصلاة فقل: سبحانك اللّهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك: ولا إله غيرك، وعن الضحاك أيضاً يعني: قل حين تقوم إلى الصلاة: (الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا)، وقال الكلبي: يعني ذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة، وقيل: هي صلاة الفجر.
{وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ} أي وصلِّ له، يعني صلاتي العشاء، {وَإِدْبَارَ النجوم}.
قال علي بن أبي طالب وابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك يعني: ركعتي الفجر.
انبأني عقيل، قال: أخبرنا المقابي، قال: أخبرنا ابن جرير، قال: أخبرنا بسر قال: حدّثنا سعيد بن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ركعتي الفجر «هما خير من الدنيا جميعاً».
وقال الضحاك وابن زيد: هي صلاة الصبح الفريضة.
قرأ سالم بن أبي الجعد {وأدبار} بفتح الألف، ومثله روى زيد عن يعقوب يعني: بعد غروب النجوم.

.سورة النجم:

مكية، وهي ألف وأربعمائة وخمسة أحرف، وثلاثمائة وستون كلمة، واثنتان وستون آية.
أخبرني أبو الحسن بن القاسم بن أحمد بقراءتي عليه، قال: حدّثنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا أبو عمرو الحيري وعمر بن عبدالله البصري، قالا: حدّثنا محمد بن عبدالوهاب قال: حدّثنا أحمد بن عبدالله بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامه عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة النجم أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمد ومن جحد به».
بسم الله الرَّحْمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 12):

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)}
{والنجم إِذَا هوى} قال ابن عباس في رواية الوالبي والعوفي ومجاهد برواية ابن أبي نجيح: يعني والثريّا إذا سقطت وغابت، والعرب تسمّي الثريّا نجماً، وإن كانت في العدد نجوماً.
قال أبو بكر محمد بن الحسن الدربندي: هي سبعة أنجم، ستة منها ظاهرة، وواحد منها خفي، يختبر الناس به أبصارهم، ومنه قول العرب إذا طلع النجم عشاءً: ابتغى الراعي كساءً وعن مجاهد أيضاً: يعني نجوم السماء كلها حتى تغرب، لفظه واحد ومعناه الجمع، كقول الراعي:
فباتت تعدّ النجم في مستحيره ** سريع بأيدي الآكلين جمودها

وسمّي الكوكب نجماً لطلوعه، وكلّ طالع نجم، ويقال: نجمَ السر والقرب والندب إذا طلع.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنّه الرجم من النجوم، يعني ما يرمى به الشياطين عند استراقهم السمع، وقال الضحاك: يعني القرآن إذا نزل ثلاث آيات وأربع وسورة، وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة، وهي رواية الأعمش عن مجاهد وحيان عن الكلبي، والعرب تسمّي التفريق تنجيماً والمفرق نجوماً ومنه نجوم الدَّيْن.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن خلف قال: حدّثنا إسحاق بن محمد قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال: حدّثنا علي بن علي قال: حدّثني أبو حمزة الثمالي {والنجم إِذَا هوى} قال: يقال: هي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة، وقال الأخفش هي النبت، ومنه قوله: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] وهويّه: سقوطه على الأرض، لأنه ما ليس له ساق، وقال جعفر الصادق: يعني محمداً صلى الله عليه وسلم إذا نزل من السماء ليلة المعراج.
فالهويّ: النزول والسقوط، يقال: هوى يهوى هويّاً: مضى يمضي مضيّاً، قال زهير:
يشج بها الأماعز وهي تهوي ** هوي الدلو أسلمها الرشاء

وروى عروة بن الزبير عن رجال من أهل بيته قالوا: كانت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عتبة بن أبي لهب فأراد الخروج إلى الشام فقال: الأبتر محمد فلأوذينّه في ابنته فأتاه فقال: يا محمد هو يكفر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل في وجهه ورد عليه ابنته وطلّقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم سلّط عليه كلباً من كلابك» قال: وأبو طالب حاضر فوجم لها وقال: ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة.
فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره بذلك ثم خرجوا إلى الشام، فنزلوا منزلا فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم: هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب لأصحابه: أعينونا يا معشر قريش هذه الليلة فإني أخاف على ابني دعوة محمد، فجمعوا أحمالهم وفرشوا لعتبة في أعلاها وناموا حوله، فجاء الأسد فجعل يتشمم وجوههم ثم ثنى ذنبه فوثب وضرب عتبة بيده ضربة، وأخذه فخدشه، فقال: قتلني ومات مكانه.
فقال في ذلك حسان بن ثابت:
سائل بني الأصغر إنْ جئتهم ** ما كان أنباءُ أبي واسع

لا وسّع الله له قبره ** بل ضيّق الله على القاطع

رمى رسول الله من بينهم ** دون قريش رمية القاذع

واستوجب الدعوة منه بما ** بُيّن للنّاظر والسامع

فسلّط الله به كلبه ** يمشي الهوينا مشية الخادع

حتى أتاه وسط أصحابه ** وفد عليهم سمة الهاجع

فالتقم الرأس بيافوخه ** والنحر منه قفرة الجائع

ثم علا بعدُ بأسنانه ** منعفراً وسط دم ناقع

قد كان هذا لكمُ عبرة ** للسيّد المتبوع والتابع

من يرجعِ العامَ إلى أهله ** فما أكيل السبع بالراجع

{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} محمد {وَمَا غوى} وهذا جواب القسم.
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} أي بالهوى يعاقب بين عن وبين الباء، فيقيم أحدهما مكان الآخر.
{إِنْ هُوَ} ما ينطقه في الديّن {إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} إليه.
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} وهو جبريل.
{ذُو مِرَّةٍ} قوة وشدّة، ورجل ممرّ أي قوي، قال الشاعر:
ترى الرجل النحيف فتزدريه ** وفي أثوابه رجل مرير

وأصله من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله، ومنه قول النبىّ صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرّة سويّ».
قال الكلبي: وكانت شدّته أنّه اقتلع قريات قوم لوط من الماء الأسود، وحملها على جناحه ورفعها إلى السماء ثم قلبها، وكانت شدّته أيضاً أنّه أبصر إبليس وهو يكلّم عيسى على بعض عقاب الأرض المقدّسة فنفحه بجناحه نفحة ألقاه في أقصى جبل بالهند، وكانت شدّته أيضاً صيحته بثمود فأصبحوا جاثمين خامدين، وكانت شدّته أيضاً هبوطه من السماء على الأنبياء وصعوده إليها في أسرع من الطرف، وقال قطرب: يقول العرب لكل حرك الرأي حصف العقل: ذو مرة، قال الشاعر:
قد كنت قبل لقائكم ذا مِرّة ** عندي لكل مخاصم ميزانه

وكان من جزالة رأيه وحصافة عقله أن الله تعالى ائتمنه على تبليغ وحيه إلى جميع رسله.
وقال ابن عباس: ذو مِرّة، أي ذو منظر حسن، وقال قتادة: ذو خَلق طويل حسن.
{فاستوى} يعني جبريل {وَهُوَ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وأكثر كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه فيقولون: استوى هو وفلان، ما يقولون: استوى وفلان، وأنشد الفرّاء:
ألم تر أنّ النبع يصلب عوده ** ولا يستوي والخروع المتقصف

والمعنى: لا يستوي هو والخروع.
ونظير هذه الآية قوله سبحانه: {أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ} [النمل: 67] فعطف بالآباء على الكنى في {كُنَّا} من غير إظهار نحن، ومعنى الآية: استوى جبريل ومحمد ليلة المعراج {بالأفق الأعلى} وهو أقصى الدنيا عند مطلع الشمس في السماء، وقيل: استويا في القوة والصعود إلى السماء، وقيل: استويا في العلم بالوحي، وقال بعضهم: معنى الآية: استوى جبريل أي ارتفع وعلا في السماء بعد أن علّم محمداً، عن سعيد بن المسيب، وقيل: فاستوى أي قام في صورته التي خلقه الله سبحانه عليها، وذلك أنه كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التي يُجبِلَ عليها، وأراه نفسه مرّتين: مرة في الأرض، ومرّة في السماء فأمّا في الأرض ففي الأُفق الأعلى، وذلك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسدّ الأفق إلى المغرب، فخرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشياً عليه، ونزل جبريل في صورة الآدميين وضمّه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه.
يدل عليه قوله سبحانه: {وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين} [التكوير: 23]، وأما في السماء فعند سدرة المنتهى، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلاّ محمد المصطفى صلوات الله عليه.
{ثُمَّ دَنَا فتدلى} اختلف العلماء في معنى هذه الآية فقال بعضهم: معناها ثم دنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فتدلّى فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي وهوى عليه {فَكَانَ} منه {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى} أي: بل أدنى، وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة والربيع.
قال أهل المعاني: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: ثم تدلّى فدنا؛ لأن التدلّي: الدنوّ، ولكنه سامع حسن؛ لأن التدلّي يدل على الدنوّ، والدنو يدل على التدلّي، وإنمّا تدلى للدنوّ ودنا للتدلّي، وقال آخرون: معناه ثم دنا الرب سبحانه من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلّى فقرب منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، وأصل التدلىّ: النزول إلى الشيء حتى يقرب منه، فوضع موضع القرب، قال لبيد:
فتدلّيت عليه قافلا ** وعلى الأرض غيابات الطفل

وهذا معنى قول أنس ورواية أبي سلمة عن ابن عباس.
وأخبرني عقيل بن محمد أنّ أبا الفرج البغدادي، أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدّثنا الربيع قال: حدّثنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة المسرى أنّه عرج جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، ثم علا به بما لا يعلمه إلاّ الله عز وجل حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار ربّ العزة فتدلّى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه ما شاء، ودنوّ الله من العبد ودنوّ العبد منه بالرتبة والمكانة والمنزلة وإجابة الدعوة وإعطاء المنية، لا بالمكان والمسافة والنقلة، كقوله سبحانه: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].
وقال بعضهم: معناه: ثم دنا جبريل من ربّه عزّوجل فكان منه قاب قوسين أو أدنى، وهذا قول مجاهد، يدلّ عليه ما روي في الحديث: «إنه أقرب الملائكة من جبرائيل إلى الله سبحانه».
وقال الضحاك: ثم دنا محمد من ربّه عز وجل فتدلّى فأهوى للسجود، فكان منه قاب قوسين أو أدنى، وقيل: ثم دنا محمد من ساق العرش فتدلّى، أي: جاور الحجب والسرادقات، لا نقلة مكان، وهو قائم بإذن الله كالمتعلق بالشيء لا يثبت قدمه على مكان، وهذا معنى قول الحسين بن الفضل.
ومعنى قوله: {قَابَ قَوْسَيْنِ} قدر قوسين عربيتين عن ابن عباس وعطاء، والقاب والقيب والقاد والقيد عبارة عن مقدار الشيء، ونظيره من الكلام زير وزار. قال صلى الله عليه وسلم: «لقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدينا وما فيها».
وقال مجاهد: معناه حيث الوتر من القوس، وقال سعيد بن المسيب: القاب صدر القوس العربية حيث يشدّ عليه السير الذي يتنكّبه صاحبه، ولكل قوس قاب واحد، فأخبر أنّ قرب جبرئيل من محمد صلى الله عليه وسلم عند الوحي كقرب قاب قوسين.
وقال أهل المعاني: هذا إشارة إلى تأكيد المحبة والقربة ورفع المنزلة والرتبة، وأصله أنّ الحليفَين والمحبَّين في الجاهلية كانا إذا أرادا عقد الصفاء والعهد والوفاء خرجا بقوسيهما والصفا بينهما يريدان بذلك أنّهما متظاهران متحاميان يحامي كل واحد منهما عن صاحبه.
وقيل: هذا تمثيل في تقريب الشيء من الشيء، وهو مستعمل في أمثال العرب وأشعارهم، وقال سفيان بن سلمة وسعيد بن جبير وعطاء وابن إسحاق الهمداني: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} قدر ذراعين، والقوس: الذراع يقاس بها كل شيء، وهي لغة بعض أهل الحجاز. {أَوْ أدنى} بل أقرب.
وقال بعض: إنّما قال: {أَوْ أدنى}؛ لأنه لم يردْ أن يجعل لذلك حدّاً محصوراً.
وسئل أبو العباس بن عطاء عن هذه الآية فقال: كيف أصف لكم مقاماً انقطع عنه جبريل وميكائيل وإسرافيل، ولم يكن إلاّ محمد وربّه؟ وقال الكسائي: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} أراد قوساً واحداً كقول الشاعر:
ومَهْمَهَيْنِ قَذَقَيْنِ مَرْتَيْنْ ** قطعته بالسّمْتِ لا بالسّمْتَيْنْ

أراد مهمهاً واحداً.
وقال بعض أهل المعاني: معنى قوله: {فتدلّى} فتدلّل من الدلال كقولهم: تظني بمعنى تظنن وأملى وأملل بمعنى واحد.
{فأوحى} يعني فأوحى الله سبحانه وتعالى {إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى} محمد صلى الله عليه وسلم {مَآ أوحى} قال الحسن والربيع وابن زيد: معناه فأوحى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أوحى إليه ربّه، قال سعيد: أوحى إليه {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً} [الضحى: 6] إلى قوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]، وقيل: أوحى إليه أن الجنة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأُمم حتى تدخلها أُمّتك، وسئل أبو الحسن الثوري عنه فقال: أوحى إليه سرّاً بسرّ من سرّ في سرّ وفي ذلك يقول القائل:
بين المحبين سر ليس يفشيه ** قول ولا قلم للخلق يحكيه

سرُّ يمازجه أنس يقابله ** نور تحيّر في بحر من التِّيه

{مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} قرأ الحسن وأبو جعفر والحجدري وقتادة {كذّب} بتشديد الذال، أي: ما كذّب قلب محمد ما رآى بعينه تلك الليلة، بل صدّقه وحقّقه، وقرأ الباقون بالتخفيف، أي ما كذب فؤاد محمد محمداً الذي رآى بل صدّقه، ومجاز الآية: ما كذب الفؤاد فيما رأى، فأسقط الصفة، كقول الشاعر:
لو كنت صادقة الذي حدثتني ** لنجوت منجى الحارث بن هشام

أي: في التي حدّثتني، وقال بندار بن الحسن: الفؤاد وعاء القلب فيما ارتاب الفؤاد فيما أرى الأصل وهو القلب.
واختلفوا في الذي رآه. فقال قوم: رأى جبريل، وإليه ذهب ابن مسعود، وقال آخرون: هو الله سبحانه، ثم اختلفوا في معنى الرؤية، فقال بعضهم: جعل بصرهُ في فؤاده، فرآه في فؤاده ولم يره بعينه، وقال قوم: بل رآه بعينه.
ذكر من قال: إنّه رآه بعينه أخبرني الحسن بن الحسين قال: حدّثنا الفضل بن الفضل، قال: حدّثنا أبو يعلى محمد بن زهير الإبلي، قال: حدّثنا بن نحويه، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبدالرزاق، قال: حدّثنا ابن التيمي عن المبرك بن فضالة، قال: كان الحسن يحلف بالله عز وجل لقد رأى محمد ربّه.
وانبأني عقيل بن محمد قال: أخبرنا المعافي بن زكريا قال: حدّثنا محمد بن جرير قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا مهران عن سفيان عن أبي إسحاق عمّن سمع ابن عباس يقول: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} قال: رأى محمد ربّه.
وبإسناده عن ابن حميد قال: حدّثنا يحيى بن واضح قال: حدّثنا عيسى بن عبيد سمعت عكرمة وقد سئل: هل رأى محمد ربّه؟ فقال: نعم، قد رأى ربّه.
وبه عن ابن حميد قال: حدّثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} قال: رأى ربّه عز وجل.
ذكر من قال: لم يره.
أخبرنا أبو عبيد الله الحسين بن محمد الحافظ بقراءتي عليه في داري قال: حدّثنا موسى ابن محمد بن علي، قال: حدّثنا إبراهيم بن زهير، قال: حدّثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدّثنا موسى بن عبيده عن محمد بن كعب قال: قال بعض أصحاب رسول الله: يا رسول الله، أرأيت ربّك؟ قال: «رأيته مرّتين، بفؤادي ولم أره بعيني» ثم تلا هذه الآية {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} ومثله روي عن ابن الحنفية عن أبيه، وأبو العالية عن ابن عباس.
وأخبرني الحسن، قال: حدّثنا أبو القاسم عن بن محمد بن عبد الله بن حاتم الترمذي، قال: حدّثنا جدي لأمي محمد بن عبدالله بن مرزوق، قال: حدّثنا عفان بن مسلم قال: حدّثنا همان بن عبد الله بن شفيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، قال: وعما كنت تسأله؟ قلت: كنت أسأله: هل رأى ربّه عز وجل؟ قال: فإني قد سألته فقال: «قد رأيت نوراً، أنى أراه؟».
وكذلك روي عن أبي سعيد الخدري أنّه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال: «رأيت نوراً».
، ومثله روى مجاهد وعكرمة عن ابن عباس.
وقد ورد في هذا الباب حديث جامع وهو ما أخبرني الحسين بن الحسن، قال: حدّثنا ابن حبش، قال: أخبرنا علي بن زنجويه، قال: حدّثنا سلمة بن عبدالرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة عن مجالد عن سعيد عن الشعبي عن عبد الله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: أمّا نحن بنو هاشم فنقول: إنّ محمداً رأى ربّه مرتين، وقال ابن عباس يحبّون أن تكون الخِلّة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد. قال: فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال، ثم قال: إن الله سبحانه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى عليه السلام، فكلّمه موسى ورآه محمد.
قال مجالد: وقال الشعبي: فأخبرني مسروق أنّه قال لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربّه تعالى قط؟، قالت: إنك لتقول قولاً، إنّه ليقف منه شعري، قال: قلت: رويداً فقرأت عليها: {والنجم إِذَا هوى} حتى {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى}. فقالت: رويداً، أين يُذهب بك؟ إنّما رأى جبريل في صورته. من حدّثك أن محمداً رأى ربّه فقد كذب، والله عز وجل يقول: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} [الأنعام: 103]، ومن حدّثك أنّه يعلم الخمس من الغيب فقد كذب، والله سبحانه يقول: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} [لقمان: 34] الآية، ومن حدّثك أنّ محمداً كتم شيئاً من الوحي فقد كذب، والله عز وجلّ يقول: {بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67] الآية.
قال عبدالرزاق: فذكرت هذا الحديث لعمر، فقال: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس.
{أَفَتُمَارُونَهُ على مَا يرى} أي: رأى.
قرأ علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة ومسروق والنخعي وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب {أَفَتُمَارُونَهُ} بفتح الباء من غير ألف على معنى أفتجحدونه، واختاره أبو عبيد، قال: لأنهم لم يماروه وإنّما يجحدونه، يقول العرب: مريت الرجل حقّه إذا جحدته. قال الشاعر:
لئن هجرتَ أخا صدق ومكرمة ** لقد مريتَ أخاً ما كان يمريكا

أي جحدته.
وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مسرف {أَفَتُمَارُونَهُ} بضم التاء بلا ألف، أي تريبونه وتشككونه، وقرأ الباقون {أَفَتُمَارُونَهُ} بالألف وضم التاء على معنى أفتجادلونه، وهو اختيار أبي حاتم، وفي الحديث: «لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر».